الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

مخاتلة

كيف نبت العشب؟! غزالة سألت.

ومتى تبيد الأرض؟ ولأي شيء تصير الرفات؟


غزالة أخرى تزورّ عن سيل الحديث؛ جسر من الخشب بين الشاطئين غير مثبت، سقطت من فوقه بالأمس ماعز تلعب.

تروم منع الغرق، وتعرف الخطوات دون يد تصنع. لا تملك الإيمان بالقصد.


تمددت هادئة أمام ليث، وحين تأكد منها غير ميتة هرب!

تمضي بوسط الغاب لاهية. تمنح أوراق الخريف أسماء غزلان لها أيد.

تقيم جسور الوهم، قبل التفتت.

الاثنين، 1 مايو 2017

مُدْيَة

آكلُ لقمةَ الثكلى
مقيدة قدمي برباط عنق 

علمتُ شابًا سر فرز القمح
صالحه للجمع، فرحة للزارعين
ويُلقى الخبث

تُلقى إلي في اليوم سنبلة
من سارق المحصول
أرشده ويمضي
وتأكل الثكلى الخبث

أتلقى لقيمات يقمن أودًا
كما برحلتها تُلقم الطائرات وقودًا
 
للإغارة على المدن


الأربعاء، 1 فبراير 2017

نَفَس

أرنب ذاك. يمد قائمتيه الأماميتين ليلتقط عشبة. لا. سحابتان توشكان على الالتحام، فمتى ينزل المطر؟

هكذا كان يفكر، متأملًا مساحات سوداء كُشطت من طلاء قائمة سريره المعدنية، بيضاء اللون. بياض قد انطفأ منه البياض فوق سرير رخيص، لا يكف عن الاهتزاز وإصدار الصرير.

ينقل بصره بين القائمة ومروحة السقف. أَلِف إزعاجها ويأس أن تخفف عنه شيئًا من حرارة يوليو. فقط يؤنسه دورانها. ليس ثمة ما يتحرك بالعنبر سواها. على حواف "ريشاتها" الثلاث وفوقها كم هائل من التراب. لو انتثر في الهواء لكانت بهجة، ولكنه سيموت عندها. رئته مسدودة.

كيف يكون عنبر السجن هذا محل "رعاية مركزة"؟ فكر؛ أسّرة متجاورة يفصل بين واحدها وأخيه ستارة قماشية صفراء، ومسافة تكفي الفرد للوقوف، فإن مال ناحية المريض انبعجت الستارة تجاه جاره بقدر قياس مؤخرته. بالأمس داهمته مؤخرة "سماح". تظاهرت أمام ابن جاره أنها ممرضة حقًا مهتمة بأبيه، فانحنت لتربت على كتفه. ود لو لسعها بسيجارته، بيسراه الحرة من أنبوب المحاليل، لولا حتم كتمان الحيازة لاستبقاء انفراج آخر الليل، بعد خلو العنبر من زائريه والعاملين. يحاولون منعه من التدخين. قضى أحدهم بموته إن فعل.

مات جاره ذاك فجر اليوم. لم يكن قد كلمه. قتلته "سماح". أخبرها بذلك حين عادته بعد تنظيف السرير من الجثة وآثارها. حرمته الجلبة دقائق نوم نادرة. رفع إصبعه ونطق الشهادتين. بحث عن السجائر المخبأة فلم يجد. أخذتها زوجته دون علمه.

أتود له العيش؟ يراها تتحرك بين قبره ذاك وجنبات المشفى للإلحاح على قضاء حوائجه، على الدرج فالمصاعد معطلة، وتقوى على انتظار موعد الزيارة لساعات بالاستراحة، حرة اليدين. تنام آخر الليل أفقية. تملك الاستلقاء والتقلب. لو مات سترتاح.


-        هنا ممر مصاحبة ملك الموت. يتسلى بمراقبتنا جميعًا. المرضى يتعذبون هنا بما اقترفوه.

-        ونحن زبانية التعذيب؟                  (قال الطبيب الاستشاري)

-        أنتم قتلة.

استحكمت في الليل مذلة التبول. يتحوط باجتناب الماء قدر طاقته. ألحت عليه في زيارتها أن يشرب عصيرًا أتت به. ما أتت بخير قط. اللعنة على كل شيء.

صاح لتأتيه "سماح". تأتيه ضحكاتها الماجنة. لن يستعمل الأداة المهينة. تأمل جلبابه الكالح. ساقاه ضامرتان، وبقيت استدارة بطنه وحدها دون عضلاته. فوق التغضن حمل جلده طبقات متكلسة من الوسخ. يرفض أن يُحّمِّمَه أحد، ولا يقوى بنفسه غير مرة ناقصة كل شهر. اشتد ضغط الحاجة. حرر يده من الأنبوب وقام. تحامل وقطع نصف المسافة. انتبه إليه طبيب شاب، وُلد بينما كان في الثلاثين. عرض عليه الاستناد إليه، ومد يده دون انتظار موافقته.

انتفض وتوقف. أُجبر الطبيب على الابتعاد قليلًا. شكره وقبل خديه. طلب منه سيجارة فقط. أكمل الطريق وحده. أشعلها وبدأ يفرغ مثانته. التهمها نهمًا. كان يبكي.

ديسك

أراقب العمال ينقلون حاجياتي إلى مثواها الجديد. حركة أحدهم نبهتني إلى شيء طريف: ها هو حلم حزيران يحصل على تفسير - على طريقة جدتي لا فرويد؛ جهات بيتي مستباحة للداخلين والأشياء تنقل إلى الخارج، وأنا أبحث عن بنطالي القصير!

قاطع ضحكي العامل بسؤاله عن كرسي "المساج": ما هذا؟ ولأي شيء يقتنيه المرء؟! كان مستاء تمامًا لثقل الكرسي وصعوبة نقله، وتعقيد تفكيك أجزائه وإعادة تركيبها. تطوع زميل له، أكبر عمرًا، بإفهامه طبيعة الجهاز فانقلبت نظرة الشاب إلى الهزء. اعتذر الأكبر عن كل شيء بابتسامة. قال إن العمال لا ينقلون مثل هذا بين شقق المغتربين هنا. تلك قطع تنقل من وإلى بيوت واسعة ذات حدائق.

تركوني جميعًا بتفهم رحيم؛ فمواطنهم المنفصل عن الواقع قد التحم به عنوة، ارتطامًا. انصرفوا والمستقر مكتظ بما فيه، يقطعه الكرسي إلى نصفين يُعبر إلى أحدهما قفزًا من الآخر! لا مجال لـ "تفيدة" و"مرزوق" للعب كما كانا يفعلان ببيتي السابق؛ أقذف الكرة بعيدًا فيجريان، ويواصل ثلاثتنا الجري حتى اللهاث.

تخلصت من الكرسي لاحقًا، بغير طريق البيع فلا قيمة سوقية له، وما أنقذني من حزني وآلام الظهر المتوعدة منذ الآن بلا مسكن، غير انطلاق القطط فرحًا بالحيز الذي أخلاه.

السبت، 7 مايو 2016

صفقة

تحدثني كصديق قديم دون مقدمات. استراحة لطيفة من رتابة الأوراق. اتضح بعد قليل كونها موظفة تسويق عبر الهاتف لحساب إحدى شركات إدارة المطاعم!

سألتني إن كنت متزوجًا، وكيف أقضي وقتي عادة؟ لم تكن قد أفصحتْ بعد عن هويتها. سردتُ وصفًا وهميًا لشاب أعزب كثير الأصدقاء؛ يتقابلون، لغير ما سبب إلا اللقاء، ويتخيرون مواضع تناول الطعام والسهر.

ورطة! فما اختلقته يجعل مني زبونًا مثاليًا لها؛ هي تبيع بطاقة خصومات بالمطاعم شريطة اجتماع أكثر من شخص على الطاولة. صفقة رابحة لكل الأطراف: زيادة هامش ربح المطعم بأكبر من مصروفات التسويق وقيمة الخصم، وتوفير حقيقي للزبون، وربح جيد لشركة التسويق، وعمولة بيع بطاقات لمحدثتي.

أظهرت ترددي فبان ما اقترفته من كذب؛ فمن كان على ما شرحته من حال لا سبب له ليرفض. تغيرت نبرة صوتها فلم تعد بالضبط زوجة. سيطرت على انفعالها بسرعة وراحت تحاول إقناعي: تصف لي أماكن السهرات وكيف سيصاحب الطرب ضحكاتي وضحكات رفاقي.

انكشفتُ ولكن لن أخبرها: أنا يا سيدتي أدفع أموالًا كثيرة لنيل صندوق يومي يحمل وجبات صحية مجهزة، وملفوفة بعناية خلف بطاقات أنيقة كسجين سويدي أنيق. هل جربتِ الأكل الصحي يومًا؟! ويوم الجمعة أرتاد المطاعم وحدي فلن أتمتع بالخصم.

تحججت بعدم توافر ثمن البطاقة! بت برأيها كاذبًا بشأن مركزي الوظيفي أيضًا؛ موظف صغير ادعى الانتماء إلى الإدارة الوسطى. لم تعد المكالمة ذات نفع لها، بل جهد ضائع. انقلبت المواقف التفاوضية تمامًا. عقدت معي صفقة؛ ستسمعني صوتها كل يوم، هكذا قالت، على أن أمنحها في كل مرة أربعة أرقام لهواتف زبائن محتملين.

الاثنين، 1 أبريل 2013

دون غطاء

تحاول تحريك ظهرها، والاستعانة بكتفها اليسرى علها تنتقل قليلًا فتقترب. مشد صدرها بعيد، بأقصى الغرفة. توَّد لو تلملم بقاياها لتقلل وقع الصدمة على أي عابر محتمل. كل عابر محتمل يعرفها. لا فائدة من الكتف وحدها. على الحوض والساقين يقع عبء المساعدة. حاولتْ أن تضم ساقيها فعارضها الألم، ووقفت بوجهها ذراعها اليمنى إذ تعالت منها آلام الكسر. تغالب اليأس والاستغاثة.

طوى خلفها ذراعها يقيدها، ويضغط عليها بينما يهتك سترها. نادت عليه بأنها كسرت، فلم يسمع. ترقب في البدء لمحات استجابة، فلما تأخرت سأل عنها. يئس فشردت عيناه، وزاد عنفه. 


***

تمر كل الفتيات هنا من أمامي، كل يوم مرتين. فرصة لتأمل الجميلات منهن. لتأمل ظهورهن بالأحرى، حيث لا يصح التفرس في ملامح إحداهن إذا أقبلت عليك. فقط تلتقط صورة وجهها لتنسب كل مؤخرة إلى صاحبتها على نحو دقيق. يتعمدن التعالي. بعضهن يمتنعن عن إلقاء السلام، وبعضهن يفعلن بتأفف واضح. من تفعل تحجز دورها في بطولة خيالات العادة السرية. خيالات عنيفة، مهينة، تنتهي بإعلانها الرضا والتذلل للفحولة أن تعيد الكرة.

رأيتها من بينهن، ولم يمض يومها الثاني قبل أن تظهر اختلافها عنهن.


***

أراحتها تخيلاتها بقدر ما أرعبتها. لن يفلت من العقاب إن فعل. أيفعل؟ لماذا تعطلت خطوط الهاتف الأرضي، وغرفة التحكم بها بجوار مجلسه؟ ومن أين علم بانتهاء شحن بطارية هاتفها المحمول؟

محاصرة. تلمح خياله يقترب، ويبتعد.


***

بشوشة الوجه، دقيقة الملامح. ابتسامتها تفتتح اليوم بالتفاؤل وتمسح عن نهايته العناء. بِتُ أمازحها. أتطلع إلى مفاتنها دون اختباء، وكنت أحس باستحبابها لكونها مرغوبة مني. ذراعاها المنسحبتان بانسيابية إلى أسفل تبدوان كإطارٍ يبُرز النهدين والخاصرة الدقيقة، تلك الأخيرة التي تُمهِد لموجةٍ لَعوب تُفسِح الطريق لامتدادٍ ناري يُغري بذاته، ويستحق، لحمله كل ذاك السحر، يستحق التبجيل.

كثيرًا ما تخيلتها، بأماكن غريبة؛ بغرفة خطوط الهاتف، أو بكابينة مغلقة بحمام البنات، أو بالمصعد. وفي كل مرة كانت داعية، وكان لقاؤنا مزيجًا من الرقة والترقب لعواقب مغامرتنا الخطرة. غازلتها مرة بالتلميح. صارحتها في المرة التالية برغبتي في الزواج، فأهانت ندية نبرتي وتحولت ملامحها. باتت كالأخريات.


***

نبح كلبٌ بمقربة من مكمنها. لحق بنباحه صوته يطمئنها. هو صديق قديم له. فر هاربًا من الاشتباكات الدائرة في الخارج إلى مأمن يعرفه. معركة بين طرفين يطلب كل منهما الآخر، ولن يلتفت أيهما إلى مخبئهما المعزول ولو استمرت الحرب حتى الصباح. هكذا قال.

أخبرها بأنه يحتفظ ببعض الطعام للكلب إن جاع، وبأنه يحتفظ ببعض الطعام لنفسه، ولها إن أرادت أن تشاركه. لا ترد. انشغل بمداعبة صديقه.

دقائق صمت طويل، لحقتها رؤية خياله على أحد الجدران، بجوار باب الغرفة. يتجرد الخيال مما يستر نصفه السفلي. يظهر التهديد واضحًا، متصاعدًا. تسللت، بكل ما استطاعته من حذر، وما تبقى لها من ثبات، وأغلقت الباب من الداخل. باب يملك التهديد مفتاحه. أسندت ظهرها إلى جدار آخر واستعادت خيالاتها عن الأسوأ.


***

وحدك معي الآن. أصبحت تُظهرين تأففك من رؤيتي فور أن طلبتك للزواج. أنا الآن هنا لحمايتك. لستُ متأكدًا من قدرتي على تلك الحماية إن هجموا، ولكن الضر لن يمسك قبل أن أصير جثة هامدة. مستعد لإطعامك والتسرية عنك. تلك مهام الزوج. يستحق مقابلها المتعة والاحترام، وأنت تضنين عليَّ بكلمة مجاملة.

هنيئًا لك بمديرك الغني الوسيم، الذي تركك عند إخلاء المبنى تنتظرين خروجه من اجتماع انقضى، حتى خلا المكان إلا منك، ومني. لم يسْع حتى للاطمئنان عليك عبر هاتفك المحمول. لم تتلق آذانك كلمة اطمئنان إلا مني، وترفضين محادثتي. ستكتمل خلوتنا رغمًا عنك.


***

انتبه من خَدَره على توقف صوت سيارات الإسعاف. يتطلع إليه بعض المارة، المنشغلين حتى حين بحصر الضحايا ولملمة آثار المعركة. تمدد كلبه مفارقًا الحياة بجوار طبق الطعام. تشتت ذهنه بين القابعة بالداخل، وما سيحدث في الغد، وأصابعه تقلب شفرة تستعد للانقضاض.

الأحد، 31 مارس 2013

من بقايا مُفَكِّرة محترقة


مقتطف رقم (1):
كل مسطح ممدود، وليس كل ممدود مسطحًا.

***

ربما كنت أُمًّا لولدٍ في مثل عمره لو تزوجت في عمر مناسب، كما البنات. سعيدات الحظ أقصد. بعضهن وُهبن حسنًا ورثنه، وبعضهن وهبن مالًا أو نفوذًا لعائل. إرادة الله اقتضت. ليس في القرب مني ما يُطلب لذاته فلا نفع يُرجى، ومن ثم لا حب.

يحبني. الولد يحبني. يدرك حاجته إليَّ واهتمامي به. لا يعرف أن مصير الأطفال، بالاستغناء مع مضي العمر، محرّم عليه، ولن يعرف. لن يعرف هاجري أيضًا أن تتبُّع جديد مدونته الملقاة في الفراغ، مجهولة بلا زائرين ولا تفاعل، بات زاد يومي.

***
مقتطف رقم (6):
عبث؟ تحدد حياتك خريطة وراثية، وأحوال غيرك. جسدك محتوم المصير بما اكتسبه من جينات، وظروفك يصنعها المحيط. حتى أخلاقك وسمات شخصيتك يقولون بتحكم النجوم في مداراتها، فبأي حق يُحاسَب الإنسان، وهو السجين؟

***

أخي. كان عائلي فأصبحت عائلته.. توقف ذهنه عن تحمل الخطوب: زوجة خائنة وابن عليل. ألقى عقله الحمل وابتعد. ترك لي مأساته ومأساة ابنه، ومأساتي.

***

مقتطف رقم (14):
للسماء منطق واضح: آمن بالغيب وانضم للعشيرة تكن لك الجنة. أنت مُخيَّر في هذا واختيارك حر، وعِلم المطلق بنتيجته سلفًا لا يناقض حريتك ولا يُقِيم لك عليه حُجة. لا وزن لأفعالك الخَيِّرة إن لم تؤمن، ولا ضَير من جرائمك إن آمنت (ستنعم في النهاية بعد قليل عذاب). أما ما تلاقيه من عنت الدنيا ومصائب القدر فاختبارات وبلايا. تحط عنك بعض آثامك، ورفاق العشيرة عليهم لك حق العون بحكم جيرة الجنة. قد تسأل عن أهمية معيار الإيمان مقارنةً بالنفع، وستجد جوابًا لا يعجب عقلك (القاصر بالضرورة عن إدراك حكمة الخلق لا لشيء إلا العبادة). يجيبونك بصحة المنقول لإعجازه: لم يكن متاحًا محتواه للاختلاق حين قيل.

***

أحببتَه، وأحس بحبي. كان انكشاف الحجب بيننا فادحًا. النظرة أكثر من فاضحة، فانتهى بنا الحال وأحدنا يتحاشى الآخر. لم يبادلني الحب، ولم أحزن لحبٍّ من جانبٍ واحد كما حزنت بسبب حبه. يلح طيفه عليَّ هذه الأيام. أسأل نفسي: كيف كان سيتصرف لو كان مكاني؟ هل كان انفلات عقله سيُقنعه بحجج الشيطان التي احتلت مساحة عقلي؟

***

مقتطف رقم (15):
لتحقق الإعجاز شروط. تتلخص، في حالتنا، في مقارنة قطعي الدلالة غير القابل للتأويل بحقيقة علمية ثابتة، وأن تكون نتيجة المقارنة هي التطابق. الأهم ألا يكون أحدهم - من البشر غير الزاعمين بصلة مع المطلق - قد سبق إلى القول بما يُبحث إعجازه، أو قال ما يمكن، بإعمال عقل واستخدام أدوات البيئة، أن يؤدي إلى استنتاج المعجز المزعوم. يتعين استبعاد التلفيق. مثلًا: «دحا» الشيء تعني بسطه ووسّعه، ولا تعني: جعله كرويًّا مائلًا للانبعاج كالبيضة!

***

بين مفترق الطرق: بقاء الولد على قيد الحياة يعني عذابه، وعجزي عن رعاية أبيه، واستحالة إفلاتي من مصير الفاشلين، عدا التسول. وببعض أجزاء جسده ينال راحة الموت، وتُحفظ لأبيه كرامته في مرضه، وتبقى لي فرصة نجاة. لو أن الله يفعلها!

***

مقتطف رقم (16):
«لا يُبرَّر وقوع الأرض بين الشمس والقمر حين الخسوف إلا بكون حركتنا على سطح كروي»

                                                                   أرسطو - قبل الميلاد بمئات الأعوام

***

طرقتُ بابه. استقبلني وزجاجة الخمر في يده. أنصت مليًّا ثم قال: «غير مؤهلٍ أنا لنصحك. خذي هذه، واحرقيها عني». ناولني حافظة أوراق. حمل زجاجته وأغلق عليه باب غرفته. أهملني حتى انصرفت.

توقف عن التدوين، ثم حُذفت مدونته. قالت لي الجارة إنها رأت الباب مفتوحًا ذات نهار. كانت المصابيح مضاءة، والصنابير تهدر المياه. وجد الأقارب كل المتعلقات في مكانها، ولم يعد صاحبها بعدها أبدًا.

***

المقتطف الأخير (متفرقات):
-        أبذل جهدًا مضنيًا في تدقيق كلمات لا يعيرها أي شخص بعضًا من انتباهه، ولا أعمل على نشرها بجدية. كرامتي تمنعني من دعوة من لا أعرف عبر الأثير إلى قراءة ما أنجزت، والادعاء بأنه مهم.
-        لا أعبر عن يأسي خارج تلك المفكرة الخاصة. أنشر في العادة تحليلًا متفائلًا ينطلق من إمكانية التغيير، وأضع نفسي مكان الآخر وأدعي الموضوعية، بينما أنا مغرض ومنحاز. الحق أنني أخدع القارئ. لا حاجة لتأنيب الضمير على أي حال، فلا قارئ هناك.
-        التحليل الطبقي صحيح لكنه ثقيل الظل وسخيف ومثير لسخرية مستحقة. التصوف في المقابل قريب من القلب رغم كونه كومة خرافة. أنا أيضًا أحب التصوف أكثر من الجدل المادي!
-        لا أطيق باسكال ولا رهانه. فليكن ذلك الآن. سألحق بمدونتي، ولتلحق بي تلك الصفحات.

***

لحظات هي ما تبقى. أتمنى أن يكون من وشى هانئ البال الآن. أراح مغتصب طفلته ضميره وأبلغ عني، ربما طمعًا في ثوابٍ ما! أفسد كل شيء. سأُشنق، وتنتظر شوارع المهانة حطام أخي، وتحللت بقايا ابن أخي دون نفع. لن أنتظر، ولن يبقى من ورائي ما يخبر قصتي. أملك هذا على الأقل.