الاثنين، 1 أبريل 2013

دون غطاء

تحاول تحريك ظهرها، والاستعانة بكتفها اليسرى علها تنتقل قليلًا فتقترب. مشد صدرها بعيد، بأقصى الغرفة. توَّد لو تلملم بقاياها لتقلل وقع الصدمة على أي عابر محتمل. كل عابر محتمل يعرفها. لا فائدة من الكتف وحدها. على الحوض والساقين يقع عبء المساعدة. حاولتْ أن تضم ساقيها فعارضها الألم، ووقفت بوجهها ذراعها اليمنى إذ تعالت منها آلام الكسر. تغالب اليأس والاستغاثة.

طوى خلفها ذراعها يقيدها، ويضغط عليها بينما يهتك سترها. نادت عليه بأنها كسرت، فلم يسمع. ترقب في البدء لمحات استجابة، فلما تأخرت سأل عنها. يئس فشردت عيناه، وزاد عنفه. 


***

تمر كل الفتيات هنا من أمامي، كل يوم مرتين. فرصة لتأمل الجميلات منهن. لتأمل ظهورهن بالأحرى، حيث لا يصح التفرس في ملامح إحداهن إذا أقبلت عليك. فقط تلتقط صورة وجهها لتنسب كل مؤخرة إلى صاحبتها على نحو دقيق. يتعمدن التعالي. بعضهن يمتنعن عن إلقاء السلام، وبعضهن يفعلن بتأفف واضح. من تفعل تحجز دورها في بطولة خيالات العادة السرية. خيالات عنيفة، مهينة، تنتهي بإعلانها الرضا والتذلل للفحولة أن تعيد الكرة.

رأيتها من بينهن، ولم يمض يومها الثاني قبل أن تظهر اختلافها عنهن.


***

أراحتها تخيلاتها بقدر ما أرعبتها. لن يفلت من العقاب إن فعل. أيفعل؟ لماذا تعطلت خطوط الهاتف الأرضي، وغرفة التحكم بها بجوار مجلسه؟ ومن أين علم بانتهاء شحن بطارية هاتفها المحمول؟

محاصرة. تلمح خياله يقترب، ويبتعد.


***

بشوشة الوجه، دقيقة الملامح. ابتسامتها تفتتح اليوم بالتفاؤل وتمسح عن نهايته العناء. بِتُ أمازحها. أتطلع إلى مفاتنها دون اختباء، وكنت أحس باستحبابها لكونها مرغوبة مني. ذراعاها المنسحبتان بانسيابية إلى أسفل تبدوان كإطارٍ يبُرز النهدين والخاصرة الدقيقة، تلك الأخيرة التي تُمهِد لموجةٍ لَعوب تُفسِح الطريق لامتدادٍ ناري يُغري بذاته، ويستحق، لحمله كل ذاك السحر، يستحق التبجيل.

كثيرًا ما تخيلتها، بأماكن غريبة؛ بغرفة خطوط الهاتف، أو بكابينة مغلقة بحمام البنات، أو بالمصعد. وفي كل مرة كانت داعية، وكان لقاؤنا مزيجًا من الرقة والترقب لعواقب مغامرتنا الخطرة. غازلتها مرة بالتلميح. صارحتها في المرة التالية برغبتي في الزواج، فأهانت ندية نبرتي وتحولت ملامحها. باتت كالأخريات.


***

نبح كلبٌ بمقربة من مكمنها. لحق بنباحه صوته يطمئنها. هو صديق قديم له. فر هاربًا من الاشتباكات الدائرة في الخارج إلى مأمن يعرفه. معركة بين طرفين يطلب كل منهما الآخر، ولن يلتفت أيهما إلى مخبئهما المعزول ولو استمرت الحرب حتى الصباح. هكذا قال.

أخبرها بأنه يحتفظ ببعض الطعام للكلب إن جاع، وبأنه يحتفظ ببعض الطعام لنفسه، ولها إن أرادت أن تشاركه. لا ترد. انشغل بمداعبة صديقه.

دقائق صمت طويل، لحقتها رؤية خياله على أحد الجدران، بجوار باب الغرفة. يتجرد الخيال مما يستر نصفه السفلي. يظهر التهديد واضحًا، متصاعدًا. تسللت، بكل ما استطاعته من حذر، وما تبقى لها من ثبات، وأغلقت الباب من الداخل. باب يملك التهديد مفتاحه. أسندت ظهرها إلى جدار آخر واستعادت خيالاتها عن الأسوأ.


***

وحدك معي الآن. أصبحت تُظهرين تأففك من رؤيتي فور أن طلبتك للزواج. أنا الآن هنا لحمايتك. لستُ متأكدًا من قدرتي على تلك الحماية إن هجموا، ولكن الضر لن يمسك قبل أن أصير جثة هامدة. مستعد لإطعامك والتسرية عنك. تلك مهام الزوج. يستحق مقابلها المتعة والاحترام، وأنت تضنين عليَّ بكلمة مجاملة.

هنيئًا لك بمديرك الغني الوسيم، الذي تركك عند إخلاء المبنى تنتظرين خروجه من اجتماع انقضى، حتى خلا المكان إلا منك، ومني. لم يسْع حتى للاطمئنان عليك عبر هاتفك المحمول. لم تتلق آذانك كلمة اطمئنان إلا مني، وترفضين محادثتي. ستكتمل خلوتنا رغمًا عنك.


***

انتبه من خَدَره على توقف صوت سيارات الإسعاف. يتطلع إليه بعض المارة، المنشغلين حتى حين بحصر الضحايا ولملمة آثار المعركة. تمدد كلبه مفارقًا الحياة بجوار طبق الطعام. تشتت ذهنه بين القابعة بالداخل، وما سيحدث في الغد، وأصابعه تقلب شفرة تستعد للانقضاض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق