«العودة إلى الأصل. تعتاد الشيء
إذا ساكنته فتفقد القدرة على إدراك تفاصيله. تلك التفاصيل التي دفعتك إلى التعلق
به ابتداء. الآن أكتشف الغرفة من جديد؛ صورة جمال عبد الناصر، فيروز وجيفارا.
سريري/ سريرنا. لن تغادره من فوق جسدي بعد الآن، ولن تُقبِّل جبهتي كأول فعلٍ
صباحي. منضدة قهوتها وسجائري، ملابسي المبعثرة التي تنثر عليها عطرها لأتذكرها
فتحرجني أمام الناس. ركن أشيائها الخاصة الذي خلقته والذي استوطنه العنكبوت.
تم ما تم بتدبيري؛ فَقدّتُ الشغف فاستسلَمت للملل واعتقدَت بنهاية علاقتنا. تستحق الغرفة أن تبقى خربة كما هي/ كما أنا».
أمسكَ عن الكتابة
ورسمَ خطين مائلين بعرض الصفحة، ببطء يفيد التأكيد. المبالغة في العبارة الختامية
لا تناسب طبيعة العلاقة التي رسمها، ولا شخصية القائل.
الإفراط في تجرع الكافيين يحدث نفس أثر الافتقار إليه. هكذا فكر.
***
ابتسمتْ له. من موقعها الثابت، وقد اختارته لتكون قريبة من موقعه الأزلي. ابتسمتْ له. بتماسك كاذب طلب قطعة حلوى. الطلب الألف، ولأول مرة يطلب شيئًا غير القهوة!
وضعتْ ساقًا فوق ساق لتُظهِر جمال قالب ونضارة بشرة. عبثتْ بضفيرة، متعمَّدة، لتشي بحداثة السن، وبروحها الغضة. بصعوبةٍ قاوم الابتسام. تناول ورقة بيضاء. كتب جملة خارج السياق بقصة تحت الإنشاء: «البشر نور وإقبال، أريج زهر نديّ».
***
أتتْ، وقد تصنعت الجدية. صنعتْ من تموجات شعرها قُبَّة فوق رأسها لتبدو ناضجة، مع نظّارة مقعرة لا يعلم من أين أتت بها. تكبر لتعجبه، هكذا استنتجتْ. لم يضحك، كما كان ينبغي له، بل زاد وجومه. فوق ورقته كتب: «لكِ العمر فانشغلي بأمل منعقد. التطلع إلي مضيعة».
قذف الرشفة الألف إلى معدته الخالية. عبارة أخرى: «باطن خرب».
***
أتتْ، بفستان أبيض تزينه أزهار بنفسجية، يُظهِر ساقيها الشهيتين. هشَّت له وحيَّته. أجاب التحية من موقعه الوقور. تخيَّر الوقار قاعدة لانطلاقه المحتمل. منحها ابتسامة فوقية. لشدة انفعالها الفرح تعثر مرفقها بقدح القهوة فانسكبتْ. هالها ما حملته ملامحه من الهلع. مخطوطات نَثْر سنة قادمة كانت فوق تلك المنضدة. اطمأن إلى سلامة ثروته ولكن لم تقنع العينان منه بالسلامة، فتشبثتا بالوريقات الناجية.
لم ينتبه لغيابها حتى وقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق