الأربعاء، 1 فبراير 2017

نَفَس

أرنب ذاك. يمد قائمتيه الأماميتين ليلتقط عشبة. لا. سحابتان توشكان على الالتحام، فمتى ينزل المطر؟

هكذا كان يفكر، متأملًا مساحات سوداء كُشطت من طلاء قائمة سريره المعدنية، بيضاء اللون. بياض قد انطفأ منه البياض فوق سرير رخيص، لا يكف عن الاهتزاز وإصدار الصرير.

ينقل بصره بين القائمة ومروحة السقف. أَلِف إزعاجها ويأس أن تخفف عنه شيئًا من حرارة يوليو. فقط يؤنسه دورانها. ليس ثمة ما يتحرك بالعنبر سواها. على حواف "ريشاتها" الثلاث وفوقها كم هائل من التراب. لو انتثر في الهواء لكانت بهجة، ولكنه سيموت عندها. رئته مسدودة.

كيف يكون عنبر السجن هذا محل "رعاية مركزة"؟ فكر؛ أسّرة متجاورة يفصل بين واحدها وأخيه ستارة قماشية صفراء، ومسافة تكفي الفرد للوقوف، فإن مال ناحية المريض انبعجت الستارة تجاه جاره بقدر قياس مؤخرته. بالأمس داهمته مؤخرة "سماح". تظاهرت أمام ابن جاره أنها ممرضة حقًا مهتمة بأبيه، فانحنت لتربت على كتفه. ود لو لسعها بسيجارته، بيسراه الحرة من أنبوب المحاليل، لولا حتم كتمان الحيازة لاستبقاء انفراج آخر الليل، بعد خلو العنبر من زائريه والعاملين. يحاولون منعه من التدخين. قضى أحدهم بموته إن فعل.

مات جاره ذاك فجر اليوم. لم يكن قد كلمه. قتلته "سماح". أخبرها بذلك حين عادته بعد تنظيف السرير من الجثة وآثارها. حرمته الجلبة دقائق نوم نادرة. رفع إصبعه ونطق الشهادتين. بحث عن السجائر المخبأة فلم يجد. أخذتها زوجته دون علمه.

أتود له العيش؟ يراها تتحرك بين قبره ذاك وجنبات المشفى للإلحاح على قضاء حوائجه، على الدرج فالمصاعد معطلة، وتقوى على انتظار موعد الزيارة لساعات بالاستراحة، حرة اليدين. تنام آخر الليل أفقية. تملك الاستلقاء والتقلب. لو مات سترتاح.


-        هنا ممر مصاحبة ملك الموت. يتسلى بمراقبتنا جميعًا. المرضى يتعذبون هنا بما اقترفوه.

-        ونحن زبانية التعذيب؟                  (قال الطبيب الاستشاري)

-        أنتم قتلة.

استحكمت في الليل مذلة التبول. يتحوط باجتناب الماء قدر طاقته. ألحت عليه في زيارتها أن يشرب عصيرًا أتت به. ما أتت بخير قط. اللعنة على كل شيء.

صاح لتأتيه "سماح". تأتيه ضحكاتها الماجنة. لن يستعمل الأداة المهينة. تأمل جلبابه الكالح. ساقاه ضامرتان، وبقيت استدارة بطنه وحدها دون عضلاته. فوق التغضن حمل جلده طبقات متكلسة من الوسخ. يرفض أن يُحّمِّمَه أحد، ولا يقوى بنفسه غير مرة ناقصة كل شهر. اشتد ضغط الحاجة. حرر يده من الأنبوب وقام. تحامل وقطع نصف المسافة. انتبه إليه طبيب شاب، وُلد بينما كان في الثلاثين. عرض عليه الاستناد إليه، ومد يده دون انتظار موافقته.

انتفض وتوقف. أُجبر الطبيب على الابتعاد قليلًا. شكره وقبل خديه. طلب منه سيجارة فقط. أكمل الطريق وحده. أشعلها وبدأ يفرغ مثانته. التهمها نهمًا. كان يبكي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق