الأربعاء، 16 يناير 2013

خلف نافذة

[1]

صاح بعبارة نابية لاعنًا التكييف المركزي وفتحها. يمقتُ الرؤية من خلف نافذة مغبَّشة، ويمقت جدران الإسمنت.

هرع عامل دورة المياه، بكتل الصوف غير المتسقة على جسده، لينظر كيف اقتلعت الريح مزلاجًا أحكم به إغلاقها. عبارة نابية أقسى خطرت له إذ رأى من تعمد فتحها يدخن مستمتعًا ونصفه الأعلى خارجها. كتم عبارته خوفًا وملامحه الممتعضة تُفصح: موظف شاب، مشبع طعامه دافئ جسده، خلع سترته ورابطة العنق ولا يرتدي تحت قميصه هذا شيئًا. 

غمغم، بينما يغلقها دون استئذان، من خلال ابتسامة صفراء: لا مؤاخذة يا بيه. في تكييف عندكم جوّه، والدنيا دفا. إحنا بنموت هنا.  

[2]

 -        يا كريم يا رب. استرها وهدِّي سر البت بحق جاه النبي.

 لا تحفظ «أم طارق» أدعية نمطية. أتاها «فاروق السنّي» بكتيب تقرأ منه فتكسب ثواب الأذكار. لم تستطع مجاراته في حفظ ما لا يفهم. الله يحس ما تعانيه، هو وحده من يفعل، ولا يحتاج منها إلى حديث، فضلًا عن أن يكون منمقًا. تقضي يومها بجوار دورة المياه الخاصة بإناث المؤسسة، تقرأ القرآن. تتناول الفول أو الكشري مع زميلها «إبراهيم»، وموضوع واحد للحديث: ابنتها ومشكلاتها مع زوجها.

 الرياح اليوم منفلتة، والسماء حبلى بالمطر. لو جاءها المخاض ستتحول شوارع الحي الفقير إلى مستنقعات وقد يسقط «شعبان» من فوق «المكنة» فيحيل ليلة «زينب» إلى نكد.

[3]

قنع بتأمل السماء من خلفها رفقًا بـ«إبراهيم». يسترق دقائق هرب من رتابة المحيط ونفاقه.

اشتد الإغراء بنزول المطر. انتبه «إبراهيم» لبقائه وتحفز لشجار لو أُعيد فتح النافذة، غير آبه بما قد يليه. زاده المطر ضيقًا وتخوَّفَ من مصير السقوط من فوق «المكنة» في المستنقع. اقتحمت «باكينام» المشهد، بحجابها البرتقالي وحذائها الأحمر وطلاء الملابس على جسدها متدفق الحيوية..  

 -        أيوة يا ماما. الدنيا مطرة وهدومي هتبوظ والكعب هيوقعني. تخيلي السايس لقيته كان بياكل كشري في العربية، ومسك الدركسيون من غير ما يغسل ايديه...

 جذب حديث «باكينام» انتباه الواقفَين، المتأمل منهما والمتحفز. المتأمل تملَّك منه الضحك، والمتحفز بات تحفُّزه بسببها أكبر من أن يُحتمل. تابعاها حتى مضت، ولم تُنهِ شكواها، ليجدا «أم طارق» بقربهما، لِصق النافذة، تبكي وتبتهل إلى الله، تحاول تذكر الدعاء الذي قال «فاروق» إن الله يجيب قائله عند المطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق