يتسرب الدفء إلى
العروق فبالنوم يغري. تصل إلى مسامعه دعابات المصطفين حول النار، ونقاشاتهم التي
لا ينوون استكمالها بجدية كي لا يفسَد جو السمر. لا بديل عن الكلام بليلهم؛ حيث لا
ناقل للأخبار إلا النجوم. تركوا ما يفرقهم بالمدينة وعادوا بالبادية أجسادًا تطلب
الطعام والشراب والدفء، وأرواحًا تطلب السلام؛ لذا لم يرَ فيهم المتعب الجحيم. لم
يهتم بحكايات القديسين، ولا تأثر بإعادة قصة الجبل الذي خرَّ من الخشية. انتبه
لحديث العقارب ولدغاتها. لفظ النوم، وهَبَّ لصعود الجبل كما صعد موسى، ولتواجهه
العقرب هناك.
كلما ابتعد عن الأرض بات الهرب من التفكير أكثر استحالة. الموسيقى والإجهاد البدني يزيدان وطأته على عكس ما توقَّع. ملائكة السماء الأولى لم تتوقع أيضًا أن تستشعر نبضات قلبه. اعتبرته دائمًا من المعرضين. أمضتْ ليلتها مع صرخات أطفال «سيد» ونحيب زوجته في انتظاره.
الصباح، كم يبدو بعيدًا! يعدُ طيف الجبال، البادي من خلال فرجة ضوء المصابيح، بجمالٍ لا نهائي إن الشمس أشرقت. استند مع رفاقه إلى صخرة على القمة، تحت سفح السماء. تكتلت أجسادهم ودار الحديث بلا معنى عساه يبدد وحشتهم. تردد «سيد» بين الصراخ وكتم ألم الكلى. توحشت الريح وألقت بقطع الثلج والحصى فوق رؤوس الواقفين بالباب. جمدت عظام السائلين. نفدت الحيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق